رفق النبى محمد (ص)
صفحة 1 من اصل 1
رفق النبى محمد (ص)
الرِفْقُ
الحمد لله الذى أذل بالموت رقاب الجبابرة،
الحمد لله الذى أنهى بالموت آمال القياصرة،
فنقلهم بالموت من القصور إلى القبور،
ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود،
ومن ملاعبة الجوارى والنساء والغلمان إلى مقاساة الهرام والديدان،
ومن التنعم فى ألوان الطعام والشراب إلى التمرغ فى ألوان الوحل والتراب.
أحمدك يا رب واستعينك وأستهديك لا أحصى ثناء عليك
أنت كما أثنيت على نفسك جل ثناؤك وعظم جاهك ولا إله غيرك .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
ينادى يوم القيامة بعد فناء خلقه ويقول :
أنا الملك، لمن الملك اليوم
ثم يجيب على ذاته سبحانه : لله الواحد القهار
سبحانه سبحانه ذو العزة والجبروت ،
سبحان ذوى الملك والملكوت ،
سبحان من كتب الفناء على الخلائق ولا يموت .
وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمد عبده ورسوله
وصفيه من خلقه وخليله ،
أدى الامانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة
، فكشف الله به الغمة ،
وجاهد فى الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ،
فاللهم أجزه عنا خير ما جزيت به نبيا عن أمته
ورسولا عن دعوته ورسالته .
رفع الله له ذكره ، وشرح الله له صدره
، وضع الله عنه وزره
وزكاه الله جل وعلا فى كل شئ ،
زكاه فى عقله فقال سبحانه : ] مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى [ [النجم:2]
زكاه وفى بصره قال سبحانه : ]مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى [ [النجم:17]
وزكاه فى صدره فقال سبحانه : ]أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَك[ [الشرح:1]
وزكاه فى ذكره فقال سبحانه : ]وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [ [االشرح:4]
وزكاه فى طهره فقال سبحانه : ]وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ[ [الشرح:2]
وزكاه فى علمه فقال سبحانه : ]وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى[ [النجم:3،4]
وزكاه فى حلمه فقال سبحانه وتعالى : ] بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ[ [التوبة:128] وزكاه كله فقال سبحانه: ]وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ[ [القلم:4]
وبعد كل هذا جعل الله جل وعلا حبيبه
إمام الأنبياء وإمام الأصفياء
وإمام الأتقياء وخاتم الأنبياء
ووهبه الحوض المورود وأعطاه اللواء المعقود
، وبعد ذلك كله قال له :
] إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ[ [الزمر :30]
فللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه
وعلى كل من اقتفى أثره ،
وأهتدى بهديه وأستن بسنته إلى يوم الدين .
ثم أما بعد
قال سلمة ابن دينار
ما أحببت أن يكون معك في الآخرة فقدمه اليوم
وما كرهت أن يكون معك في الآخرة فاتركه اليوم
احبابى احباب رسول الله صلى الله علية وسلم
لقد جعل الله تعالى خلق العفو من صفات المؤمنين التقين قال تعالى: " (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ
وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ
أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )
(134) سورة آل عمران .
وجعل العفو عن الناس أقرب إلى التقوى ,
فقال سبحانه
: "( وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ
إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)
(237) سورة البقرة.
كما جعله سبباً لمرضاة الله ومغفرته وعفوه ,
فقال سبحانه :"
( إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ
فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا)
(149) سورة النساء
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: (تقوى الله، وحسن الخلق)،
والرفق من أحسن الخلق،
بل هو جوهر الأخلاق الحميدة،
وهو خلق يحبه الله ورسوله،
والرفق يعني التلطف في الأمور،
ولين الجانب، والبعد عن العنف،
واجتناب الشدة، والغلظة،
ويعني في ما يعنيه استخدام الحكمة والتعقل
وضبط النفس في مواجهة الأزمات
والمشكلات صغيرة كانت أم كبيرة،
وسياسية كانت أم اجتماعية،
وهو وصفة النجاح في معالجة أيّة مشكلة،
فيما لا تزيد الشدة والتعسف واستخدام العنف،
المشكلات والأزمات إلا سوءاً واشتعالاً.
وأخرج أبو يعلى وأبو الشيخ والحاكم وصححه
وتعقبه الذهبي عن أنس قال
لنعلم ان العفو جزاء الجنة
" بينما رسول الله صلى الله عليه و سلم جالس
إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه
فقال عمر : ما أضحكك يا رسول الله ؟
قال(ص) : رجلا جثيا من أمتي بين يدي رب العزة
فقال أحدهما : يا رب خذ لي مظلمتي من أخي
قال الله : أعط أخاك مظلمته
قال : يا رب لم يبق من حسناتي شيء
قال : يا رب يحمل عني من أوزاري
وفاضت عينا رسول الله بالبكاء
ثم قال (ص) إن ذلك ليوم عظيم يوم تحتاج الناس إلى أن
يتحمل عنهم من أوزارهم
فقال الله للطالب : ارفع بصرك فانظر في الجنان
فرفع رأسه فقال : يا رب أرى مدائن من فضة وقصورا من ذهب مكللة باللؤلؤ لأي نبي هذا لأي صديق هذا لأي شهيد هذا ؟ !
قال : هذا لمن أعطى الثمن
قال : يا رب من يملك ثمنه ؟
قال : أنت قال : بماذا ؟ قال : بعفوك عن أخيك
قال : يا رب قد عفوت عنه
قال : خذ بيد أخيك فأدخله الجنة
ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن
الله يصلح بين المؤمنين يوم القيامة "
. أخرجه أبو يعلى في (( مسنده )) - كما في (( ابن كثير )) ( 3/ 550- 551) - ، والبخاري في ((الكبير)) ( 2/ 1/ 459) وابن أبي الدنيا في (( حسن الظن بالله )) ( 66/ 116) ، وابن أبي داود في (( البعث )) ( 32) ، والحاكم ( 4/ 576) ، قَالَ الحاكم : (( صحيح الإسناد )).
كَانَ النبيُّ رَفِيقًا بأمَّتِه, فَلَمْ يُخيَّر بَينَ أمريْنِ
إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا, تَيْسٍيرًا عَلَى الأُمَّةِ
وَرَغَبةً في رفعِ الحرجِ عَنْهَا,
وَلِذَلِكَ قَالَ:
"إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتا وَلَا مُتَعَنِّتًا,
وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا"
[رواه مسلم].
وَقَالَ: "إِنَّ اللهَ تَعَالَى رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ,
وَيُعْطِي عَلَيْهِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ"
[رَواهُ أَبُوداودَ وصحَّحَه الألبانيُّ].
وَقَالَ: "مَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ،
وَمَا نُزِّعَ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانه" [رَواهُ مسْلِم].
وَقَدْ وَصفَ اللهُ تَعَالَى نَبيَّه
بالرأفَةِ وَالرَّحمةِ فَقَالَ:
لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز علية ماعنتم
حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم
[التَّوبة: 128].
وَمِنْ رِفقِه بأمَّتِه أَنَّ رَجلاً جَاء إِلى النَّبِيِّ
فَقَالَ: هَلكْتُ يَا رَسولَ اللهِ!
قَالَ: "وَمَا أَهْلَكَكَ؟".
قَال: وقعْتُ علَى امْرأتِي فِي رَمضانَ.
قَالَ: "هَلْ تَجِدُ مَا تَعْتِقُ رَقَبةً".
قَالَ: لَا.
قَالَ: "فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟".
قَالَ: لَا.
قَالَ: "فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا".
قَالَ: لَا.
قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ فأُتِي النبيُّ بِعَرَقٍ( ) فِيه تمرٌ،
فقال(ص) "تَصَدَّقْ بِهَذَا".
قَالَ الرَّجل: أَأَفْقَرُ مِنَّا؟ فَما بين لابَتَيْها أهلُ بيتٍ أحوجُ إِلَيْهِ مِنَّا.
فضحِكَ النبيُّ حَتَّى بدتْ أنيابُه,
ثُمَّ قَالَ: "اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ"
[متفقٌ علَيْه].
فانْظُر إِلَى رِفقِ النَّبِيِّ بِهذَا الرَّجُلِ المخْطِئ الَّذِي وَقَعَ عَلَى أهلِهِ فِي نَهارِ رَمضانَ, فَإِنَّ النبيَّ مَا زالَ يُرفقُ بِه ويتدرْجُ مَعه من العُقوبةِ الأشدِّ إلى العقوبةِ الأخفِّ، حَتَّى وصلَ به الحالُ إِلَى أَنْ أَعطاهُ مَا يُكَفِّرُ بِهِ عَنْ خَطِئِه, بَلْ إِنَّه سمَحَ لَهُ بأنْ يأخُذَ هَذه العطيَّةَ ويُطعِمَها أهلَه نَظرًا لحاجَتِه وفقْرِه، فَمَا أعْظَمَ هَذَا الرِّفْقَ النبويَّ، وَمَا أجملَ هَذِهِ الرأفةَ المحمَّديةَ.
وَهَذَا مُعاوِيةُ بْنُ الحَكَمِ السُّلَمِيُّ
يقُول: بَينما أَنَا أُصَلِّي مَع رسُولِ اللهِ ، إِذْ عَطسَ رَجلٌ مِنَ القوْمِ,
فَقلْتُ: يرْحَمُكَ اللهُ. فَرَماني القوْمُ بأبْصارِهِمْ,
فقلْتُ: واثُكْلَ أُمِّياه! مَا شأْنُكم تَنظُرُونَ إليَّ؟
فجَعلُوا يضْرِبُون بأيدِيهمْ عَلَى أفْخاذِهِمْ،
فَلَمَّا رأيتُهم يُصَمِّتونَني, لَكِنِّي سَكتُّ،
فَلَمَّا صَلى النبيُّ ، فَبِأبي هُو وأمِّي،
مَا رأيتُ مُعلِّمًا قبْلَه ولا بعْدَه أَحسنَ تَعْلِيمًا مِنْه،
فَوَاللهِ مَا كَهرني( )، وَلَا ضَرَبَني, وَلَا شَتمنِي,
قَالَ: "إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ،
إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ"
[رَوَاهُ مُسْلِم].
قَال النوويُّ: "فِيهِ مَا كانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ مِنْ عَظِيم الخُلُقِ، الَّذِي شهِدَ اللهُ تَعَالى لَهُ بِه، وَرفْقِه بالجاهِل، ورأفَتِه وشفقَتِه عَلَيْه، وَفِيه التخلُّقُ بخُلُقِه فِي الرِّفْقِ بالجَاهِل، وحُسْنِ تَعلِيمِه, واللُّطْفِ بِهِ، وَتقْرِيبِ الصَّوابِ إِلَى فَهْمِه".
وَمِنْ رِفْق النَّبِيِّ بأمَّتِه أَنَّه نَهَى عَنِ الوِصَالِ فِي الصَّوْمِ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرضَ عَلَى النَّاسِ.
وَمِنْ رِفْقِ النَّبِيِّ بأمَّتِه, أَنَّه صلَّى قِيامَ رَمضانَ فِي المسْجدِ ثَلاثَ لَيالٍ أَوْ أكثرَ، حَتَّى اجْتَمع خَلْفَه نَفَرٌ كَثِيرٌ, ثُمَّ إِنَّه لم يخرُجْ إِلَى النَّاسِ بَعدَ ذَلِكَ خَشْيَةَ أَنْ تُفْرَضَ هَذِهِ الصلاةُ عَلَى النَّاسِ.
وَمِنْ رِفق النبيِّ بأمَّتِه أنَّه دخَل المسْجدَ، فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بِينَ سَارِيَتَيْنِ. فَقَالَ: "مَا هَذَا الحَبْلُ؟" قَالُوا: هَذا حَبْلٌ لِزينَبَ، فَإِذَا فَترتْ تعلَّقتْ بِه،
فقال النبي "حُلُّوهُ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا فَتَرَ، فَلْيَقْعُدْ"
[مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
رِفْقُ النَّبِيِّ بأمَّتِه (2)
لَا زَال الحديثُ مَوْصولاً عَنْ رِفق النبيِّ بأمَّتِه.
فعَنْ أَنسِ بْنِ مَالكٍ ، عَنِ النبيِّ قَالَ:
بَينَما نَحْنُ فِي المسْجِد مع رَسُول اللهِ (ص)
إِذْ جَاء أعرابيٌّ فَقَام يبُولُ في المسْجِد،
فَقَال أصحابُ رَسولُ اللهِ: مَهْ مَهْ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ "دَعُوهُ لَا تُزْرِمُوهُ( )" فَتركُوه حَتَّى بال.
ثُمَّ إِنَّ رسولَ اللهِ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ:
"إِنَّ هذهِ المسَاجِدَ لَا تصلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا البَوْلِ وَالْقَذَرِ،
إِنَّما هِيَ لِذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ".
قَالَ: فأمرَ رَجُلاً مِنَ القَوْمِ, فَجَاءَ بِدلوٍ مِنْ مَاءٍ فشنَّه عَليه.
[مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
( ) لا تزرموه: أي لا تجعلوه يقطع بوله لئلا يتضرر.
وَمِنْ صُوَرِ ذَلِكَ الرفقِ المحمَّدِيِّ أَنَّ فتًى شَابًّا
أَتَى النبيَّ فَقَالَ: يَا رَسولَ اللهِ! ائذَنْ لِي بالزِّنَا!!
فَأَقْبلَ عَلَيْهِ القومُ فَزَجَرُوهُ، وَقالُوا: مَهْ مَهْ
فَقَالَ النبيُّ: "ادْنُهْ" فَدَنَا مِنْهُ قريبًا.
قَال: "أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ"؟
قَال: لَا واللهِ, جَعلَني اللهُ فِداءَك.
قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ,
أَفَتُحِبُّه لابْنَتِكَ؟".
قَالَ: لَا واللهِ يَا رسولَ اللهِ, جَعلنِي اللهُ فِدَاءَك.
قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ,
أَفَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ؟".
قَالَ: لَا واللهِ, جَعلنِي اللهُ فِداءَك.
قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ,
أَفَتُحِبُّه لِعَمَّتِكَ؟".
قَالَ: لَا وَاللهِ، جَعَلِني اللهُ فِداءَكَ.
قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ,
أَفَتُحِبُّه لِخالَتِكَ؟".
قَالَ: لَا وَاللهِ، جَعَلنِي اللهُ فِداءَكَ.
قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِـخَالَاتِهِمْ"،
ثُمَّ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ وَقَالَ(ص)
"اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَه، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ"،
فَلَمْ يَكُنْ بَعْدَ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلى شَيْءٍ. [رَواه أَحْمد].
بِهذَا الأسْلُوبِ الرَّفيقِ اسْتطاعَ النبيُّ (ص) أَنْ يَدْخُل إِلَى قلْبِ هَذَا الشّابِّ ويجعلَه يسْتقْبِحُ مَا طَلَبَهُ مِنَ الْإِذْنِ بِالزِّنَا، وَكَانَ ذَلِكَ سَببًا في صَلاحِ هَذا الشابِّ واستِقَامَتِه وعفَّتِه.
وَمِنْ رِفْقِ النبيِّ بأمتِه
مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عنهما قَالَ:
بيْنَما النبيُّ يخطُبُ، إِذَا هُو برجُلٍ قائمٍ، فَسألَ عَنْهُ فَقَالُوا:
أَبُو إِسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يقومَ فِي الشمْسِ وَلَا يقعدَ،
وَلَا يستظلَّ ولا يتكلمَ, وَيصُومَ,
فقالَ النبيُّ
"مُرُوه فَلْيَتَكَلَّمْ, وَلْيَسْتَظِلَّ, وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ"
[رواهُ البخَارِيُّ].
.
وَمِنْ أمثِلةِ عَفْوِ النبيِّ
عفوُه عَنِ المرْأَةِ اليهُودِيَّةِ الَّتي وضَعتْ لَه السمَّ في الشَّاةِ,
فأكلَ مِنْهَا فَلَمْ يُسِغْها،
ثُمَّ قَتَلَهَا النبيُّ بعْدَ ذَلِكَ ببِشْرِ ابْنِ البَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ
الَّذِي أَكَلَ مِنْهَا فأسَاغَها، فَماتَ مِنْ أَثَرِ السُّمِّ، فقتِلَتْ ببشرِ قِصَاصًا.
وَمِنْ أَمثلة عَفْوِ النبيِّ
مَا رَواه جابرُ أَنَّه غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ قِبَلَ نجدٍ،
فلمَّا قَفَل( ) رَسُولُ اللهِ ،
قَفَل مَعَه، فأدْركَتْهم القَائِلةُ فِي وادٍ كَثِير العضَاهِ( )،
فَنَزلَ رَسُولُ اللهِ, وَتفرَّقُ النَّاسُ فِي العضَاهِ،
يَستظلُّونَ بالشجَرِ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ
تحتَ سَمُرةٍ( )، فعلَّق بِها سيفَهُ.
قَال جَابِرُ: فنِمْنَا نَوْمةً, فَإِذَا رَسُولُ اللهِ يدْعُونَا, فَجئْنَاهُ,
فَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابيٌّ جَالِسٌ,
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: "إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ سَيْفِي وَأَنَا نَائِمٌ،
فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا،
فَقَالَ لِي: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟
قُلْتُ: اللهُ، فَهَا هُوَ جَالِسٌ"
ثُمَّ لَم يعاقِبْه رَسُولُ اللهِ
البخارى
رفق النبي بمن قال له اعدل يا محمد
عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبض للناس في ثوب بلال يوم حنين يعطيهم
فقال إنسان من الناس اعدل يا محمد
فقال صلى الله عليه وسلم
ويلك إذا لم أعدل فمن يعدل لقد خبت وخسرت إن لم أعدل
قال فقال عمر رضوان الله علي دعني يا رسول الله أضرب عنقه فقال صلى الله عليه وسلم معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي إن هذا وأصحابا له يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم.
(صحيح ابن حبان ج11/ص148)
خلق العفو في حياة الصحابة الكرام
ووقع في يوم من الأيام بين أبي ذر-رضي الله عنه- وبلال -رضي الله عنه- خصومة، فيغضب أبو ذر وتفلت لسانه بكلمة يقول فيها لبلال: يا ابن السوداء فيتأثر بلال، يوم أكرمه الله بالإسلام، ثم يعير بالعصبيات والعنصريات والألوان، ويذهب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ويشكو أبا ذر، ويستدعي النبي صلى الله عليه وسلم- أبا ذر، فيقول -كما في الحديث المتفق علي صحته- يقول النبي صلى الله عليه وسلم-: " أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية"، فيتأثر أبو ذر ويتحسَّر ويندم، ويقول: وددت -والله- لو ضرب عنقي بالسيف، وما سمعت ذلك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويأخذ بلال -رضي الله عنه- كما روي ويضع خده على التراب ويقول: يا بلال؛ ضع قدمك على خدي، لا أرفعه حتى تضعه، فتذرف عينا بلال -رضي الله عنه- الدموع،
ويقول: يغفر الله لك يا أبا ذر،
يغفر الله لك يا أبا ذر،
والله ما كنت لأضع قدمي على جبهة
سجدت لله رب العالمين،
ويعتنقان ويبكيان ذهب ما في القلوب. الشحود
، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(ألا أخبركم بمن يحْرُم على النار؟ أو بمن تَحْرُم عليه النار؟ تَحْرُم النار على كل قريب هين لين سهل)
[الترمذي وأحمد].
للعبد رب هو ملاقيه وبيت هو ساكنه
فينبغي له أن يسترضي ربه قبل لقائه
ويعمر بيته قبل انتقاله اليه
الحمد لله الذى أذل بالموت رقاب الجبابرة،
الحمد لله الذى أنهى بالموت آمال القياصرة،
فنقلهم بالموت من القصور إلى القبور،
ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود،
ومن ملاعبة الجوارى والنساء والغلمان إلى مقاساة الهرام والديدان،
ومن التنعم فى ألوان الطعام والشراب إلى التمرغ فى ألوان الوحل والتراب.
أحمدك يا رب واستعينك وأستهديك لا أحصى ثناء عليك
أنت كما أثنيت على نفسك جل ثناؤك وعظم جاهك ولا إله غيرك .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
ينادى يوم القيامة بعد فناء خلقه ويقول :
أنا الملك، لمن الملك اليوم
ثم يجيب على ذاته سبحانه : لله الواحد القهار
سبحانه سبحانه ذو العزة والجبروت ،
سبحان ذوى الملك والملكوت ،
سبحان من كتب الفناء على الخلائق ولا يموت .
وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمد عبده ورسوله
وصفيه من خلقه وخليله ،
أدى الامانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة
، فكشف الله به الغمة ،
وجاهد فى الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ،
فاللهم أجزه عنا خير ما جزيت به نبيا عن أمته
ورسولا عن دعوته ورسالته .
رفع الله له ذكره ، وشرح الله له صدره
، وضع الله عنه وزره
وزكاه الله جل وعلا فى كل شئ ،
زكاه فى عقله فقال سبحانه : ] مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى [ [النجم:2]
زكاه وفى بصره قال سبحانه : ]مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى [ [النجم:17]
وزكاه فى صدره فقال سبحانه : ]أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَك[ [الشرح:1]
وزكاه فى ذكره فقال سبحانه : ]وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [ [االشرح:4]
وزكاه فى طهره فقال سبحانه : ]وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ[ [الشرح:2]
وزكاه فى علمه فقال سبحانه : ]وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى[ [النجم:3،4]
وزكاه فى حلمه فقال سبحانه وتعالى : ] بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ[ [التوبة:128] وزكاه كله فقال سبحانه: ]وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ[ [القلم:4]
وبعد كل هذا جعل الله جل وعلا حبيبه
إمام الأنبياء وإمام الأصفياء
وإمام الأتقياء وخاتم الأنبياء
ووهبه الحوض المورود وأعطاه اللواء المعقود
، وبعد ذلك كله قال له :
] إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ[ [الزمر :30]
فللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه
وعلى كل من اقتفى أثره ،
وأهتدى بهديه وأستن بسنته إلى يوم الدين .
ثم أما بعد
قال سلمة ابن دينار
ما أحببت أن يكون معك في الآخرة فقدمه اليوم
وما كرهت أن يكون معك في الآخرة فاتركه اليوم
احبابى احباب رسول الله صلى الله علية وسلم
لقد جعل الله تعالى خلق العفو من صفات المؤمنين التقين قال تعالى: " (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ
وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ
أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )
(134) سورة آل عمران .
وجعل العفو عن الناس أقرب إلى التقوى ,
فقال سبحانه
: "( وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ
إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)
(237) سورة البقرة.
كما جعله سبباً لمرضاة الله ومغفرته وعفوه ,
فقال سبحانه :"
( إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ
فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا)
(149) سورة النساء
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: (تقوى الله، وحسن الخلق)،
والرفق من أحسن الخلق،
بل هو جوهر الأخلاق الحميدة،
وهو خلق يحبه الله ورسوله،
والرفق يعني التلطف في الأمور،
ولين الجانب، والبعد عن العنف،
واجتناب الشدة، والغلظة،
ويعني في ما يعنيه استخدام الحكمة والتعقل
وضبط النفس في مواجهة الأزمات
والمشكلات صغيرة كانت أم كبيرة،
وسياسية كانت أم اجتماعية،
وهو وصفة النجاح في معالجة أيّة مشكلة،
فيما لا تزيد الشدة والتعسف واستخدام العنف،
المشكلات والأزمات إلا سوءاً واشتعالاً.
وأخرج أبو يعلى وأبو الشيخ والحاكم وصححه
وتعقبه الذهبي عن أنس قال
لنعلم ان العفو جزاء الجنة
" بينما رسول الله صلى الله عليه و سلم جالس
إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه
فقال عمر : ما أضحكك يا رسول الله ؟
قال(ص) : رجلا جثيا من أمتي بين يدي رب العزة
فقال أحدهما : يا رب خذ لي مظلمتي من أخي
قال الله : أعط أخاك مظلمته
قال : يا رب لم يبق من حسناتي شيء
قال : يا رب يحمل عني من أوزاري
وفاضت عينا رسول الله بالبكاء
ثم قال (ص) إن ذلك ليوم عظيم يوم تحتاج الناس إلى أن
يتحمل عنهم من أوزارهم
فقال الله للطالب : ارفع بصرك فانظر في الجنان
فرفع رأسه فقال : يا رب أرى مدائن من فضة وقصورا من ذهب مكللة باللؤلؤ لأي نبي هذا لأي صديق هذا لأي شهيد هذا ؟ !
قال : هذا لمن أعطى الثمن
قال : يا رب من يملك ثمنه ؟
قال : أنت قال : بماذا ؟ قال : بعفوك عن أخيك
قال : يا رب قد عفوت عنه
قال : خذ بيد أخيك فأدخله الجنة
ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن
الله يصلح بين المؤمنين يوم القيامة "
. أخرجه أبو يعلى في (( مسنده )) - كما في (( ابن كثير )) ( 3/ 550- 551) - ، والبخاري في ((الكبير)) ( 2/ 1/ 459) وابن أبي الدنيا في (( حسن الظن بالله )) ( 66/ 116) ، وابن أبي داود في (( البعث )) ( 32) ، والحاكم ( 4/ 576) ، قَالَ الحاكم : (( صحيح الإسناد )).
كَانَ النبيُّ رَفِيقًا بأمَّتِه, فَلَمْ يُخيَّر بَينَ أمريْنِ
إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا, تَيْسٍيرًا عَلَى الأُمَّةِ
وَرَغَبةً في رفعِ الحرجِ عَنْهَا,
وَلِذَلِكَ قَالَ:
"إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتا وَلَا مُتَعَنِّتًا,
وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا"
[رواه مسلم].
وَقَالَ: "إِنَّ اللهَ تَعَالَى رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ,
وَيُعْطِي عَلَيْهِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ"
[رَواهُ أَبُوداودَ وصحَّحَه الألبانيُّ].
وَقَالَ: "مَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ،
وَمَا نُزِّعَ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانه" [رَواهُ مسْلِم].
وَقَدْ وَصفَ اللهُ تَعَالَى نَبيَّه
بالرأفَةِ وَالرَّحمةِ فَقَالَ:
لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز علية ماعنتم
حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم
[التَّوبة: 128].
وَمِنْ رِفقِه بأمَّتِه أَنَّ رَجلاً جَاء إِلى النَّبِيِّ
فَقَالَ: هَلكْتُ يَا رَسولَ اللهِ!
قَالَ: "وَمَا أَهْلَكَكَ؟".
قَال: وقعْتُ علَى امْرأتِي فِي رَمضانَ.
قَالَ: "هَلْ تَجِدُ مَا تَعْتِقُ رَقَبةً".
قَالَ: لَا.
قَالَ: "فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟".
قَالَ: لَا.
قَالَ: "فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا".
قَالَ: لَا.
قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ فأُتِي النبيُّ بِعَرَقٍ( ) فِيه تمرٌ،
فقال(ص) "تَصَدَّقْ بِهَذَا".
قَالَ الرَّجل: أَأَفْقَرُ مِنَّا؟ فَما بين لابَتَيْها أهلُ بيتٍ أحوجُ إِلَيْهِ مِنَّا.
فضحِكَ النبيُّ حَتَّى بدتْ أنيابُه,
ثُمَّ قَالَ: "اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ"
[متفقٌ علَيْه].
فانْظُر إِلَى رِفقِ النَّبِيِّ بِهذَا الرَّجُلِ المخْطِئ الَّذِي وَقَعَ عَلَى أهلِهِ فِي نَهارِ رَمضانَ, فَإِنَّ النبيَّ مَا زالَ يُرفقُ بِه ويتدرْجُ مَعه من العُقوبةِ الأشدِّ إلى العقوبةِ الأخفِّ، حَتَّى وصلَ به الحالُ إِلَى أَنْ أَعطاهُ مَا يُكَفِّرُ بِهِ عَنْ خَطِئِه, بَلْ إِنَّه سمَحَ لَهُ بأنْ يأخُذَ هَذه العطيَّةَ ويُطعِمَها أهلَه نَظرًا لحاجَتِه وفقْرِه، فَمَا أعْظَمَ هَذَا الرِّفْقَ النبويَّ، وَمَا أجملَ هَذِهِ الرأفةَ المحمَّديةَ.
وَهَذَا مُعاوِيةُ بْنُ الحَكَمِ السُّلَمِيُّ
يقُول: بَينما أَنَا أُصَلِّي مَع رسُولِ اللهِ ، إِذْ عَطسَ رَجلٌ مِنَ القوْمِ,
فَقلْتُ: يرْحَمُكَ اللهُ. فَرَماني القوْمُ بأبْصارِهِمْ,
فقلْتُ: واثُكْلَ أُمِّياه! مَا شأْنُكم تَنظُرُونَ إليَّ؟
فجَعلُوا يضْرِبُون بأيدِيهمْ عَلَى أفْخاذِهِمْ،
فَلَمَّا رأيتُهم يُصَمِّتونَني, لَكِنِّي سَكتُّ،
فَلَمَّا صَلى النبيُّ ، فَبِأبي هُو وأمِّي،
مَا رأيتُ مُعلِّمًا قبْلَه ولا بعْدَه أَحسنَ تَعْلِيمًا مِنْه،
فَوَاللهِ مَا كَهرني( )، وَلَا ضَرَبَني, وَلَا شَتمنِي,
قَالَ: "إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ،
إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ"
[رَوَاهُ مُسْلِم].
قَال النوويُّ: "فِيهِ مَا كانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ مِنْ عَظِيم الخُلُقِ، الَّذِي شهِدَ اللهُ تَعَالى لَهُ بِه، وَرفْقِه بالجاهِل، ورأفَتِه وشفقَتِه عَلَيْه، وَفِيه التخلُّقُ بخُلُقِه فِي الرِّفْقِ بالجَاهِل، وحُسْنِ تَعلِيمِه, واللُّطْفِ بِهِ، وَتقْرِيبِ الصَّوابِ إِلَى فَهْمِه".
وَمِنْ رِفْق النَّبِيِّ بأمَّتِه أَنَّه نَهَى عَنِ الوِصَالِ فِي الصَّوْمِ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرضَ عَلَى النَّاسِ.
وَمِنْ رِفْقِ النَّبِيِّ بأمَّتِه, أَنَّه صلَّى قِيامَ رَمضانَ فِي المسْجدِ ثَلاثَ لَيالٍ أَوْ أكثرَ، حَتَّى اجْتَمع خَلْفَه نَفَرٌ كَثِيرٌ, ثُمَّ إِنَّه لم يخرُجْ إِلَى النَّاسِ بَعدَ ذَلِكَ خَشْيَةَ أَنْ تُفْرَضَ هَذِهِ الصلاةُ عَلَى النَّاسِ.
وَمِنْ رِفق النبيِّ بأمَّتِه أنَّه دخَل المسْجدَ، فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بِينَ سَارِيَتَيْنِ. فَقَالَ: "مَا هَذَا الحَبْلُ؟" قَالُوا: هَذا حَبْلٌ لِزينَبَ، فَإِذَا فَترتْ تعلَّقتْ بِه،
فقال النبي "حُلُّوهُ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا فَتَرَ، فَلْيَقْعُدْ"
[مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
رِفْقُ النَّبِيِّ بأمَّتِه (2)
لَا زَال الحديثُ مَوْصولاً عَنْ رِفق النبيِّ بأمَّتِه.
فعَنْ أَنسِ بْنِ مَالكٍ ، عَنِ النبيِّ قَالَ:
بَينَما نَحْنُ فِي المسْجِد مع رَسُول اللهِ (ص)
إِذْ جَاء أعرابيٌّ فَقَام يبُولُ في المسْجِد،
فَقَال أصحابُ رَسولُ اللهِ: مَهْ مَهْ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ "دَعُوهُ لَا تُزْرِمُوهُ( )" فَتركُوه حَتَّى بال.
ثُمَّ إِنَّ رسولَ اللهِ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ:
"إِنَّ هذهِ المسَاجِدَ لَا تصلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا البَوْلِ وَالْقَذَرِ،
إِنَّما هِيَ لِذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ".
قَالَ: فأمرَ رَجُلاً مِنَ القَوْمِ, فَجَاءَ بِدلوٍ مِنْ مَاءٍ فشنَّه عَليه.
[مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
( ) لا تزرموه: أي لا تجعلوه يقطع بوله لئلا يتضرر.
وَمِنْ صُوَرِ ذَلِكَ الرفقِ المحمَّدِيِّ أَنَّ فتًى شَابًّا
أَتَى النبيَّ فَقَالَ: يَا رَسولَ اللهِ! ائذَنْ لِي بالزِّنَا!!
فَأَقْبلَ عَلَيْهِ القومُ فَزَجَرُوهُ، وَقالُوا: مَهْ مَهْ
فَقَالَ النبيُّ: "ادْنُهْ" فَدَنَا مِنْهُ قريبًا.
قَال: "أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ"؟
قَال: لَا واللهِ, جَعلَني اللهُ فِداءَك.
قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ,
أَفَتُحِبُّه لابْنَتِكَ؟".
قَالَ: لَا واللهِ يَا رسولَ اللهِ, جَعلنِي اللهُ فِدَاءَك.
قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ,
أَفَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ؟".
قَالَ: لَا واللهِ, جَعلنِي اللهُ فِداءَك.
قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ,
أَفَتُحِبُّه لِعَمَّتِكَ؟".
قَالَ: لَا وَاللهِ، جَعَلِني اللهُ فِداءَكَ.
قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ,
أَفَتُحِبُّه لِخالَتِكَ؟".
قَالَ: لَا وَاللهِ، جَعَلنِي اللهُ فِداءَكَ.
قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِـخَالَاتِهِمْ"،
ثُمَّ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ وَقَالَ(ص)
"اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَه، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ"،
فَلَمْ يَكُنْ بَعْدَ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلى شَيْءٍ. [رَواه أَحْمد].
بِهذَا الأسْلُوبِ الرَّفيقِ اسْتطاعَ النبيُّ (ص) أَنْ يَدْخُل إِلَى قلْبِ هَذَا الشّابِّ ويجعلَه يسْتقْبِحُ مَا طَلَبَهُ مِنَ الْإِذْنِ بِالزِّنَا، وَكَانَ ذَلِكَ سَببًا في صَلاحِ هَذا الشابِّ واستِقَامَتِه وعفَّتِه.
وَمِنْ رِفْقِ النبيِّ بأمتِه
مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عنهما قَالَ:
بيْنَما النبيُّ يخطُبُ، إِذَا هُو برجُلٍ قائمٍ، فَسألَ عَنْهُ فَقَالُوا:
أَبُو إِسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يقومَ فِي الشمْسِ وَلَا يقعدَ،
وَلَا يستظلَّ ولا يتكلمَ, وَيصُومَ,
فقالَ النبيُّ
"مُرُوه فَلْيَتَكَلَّمْ, وَلْيَسْتَظِلَّ, وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ"
[رواهُ البخَارِيُّ].
.
وَمِنْ أمثِلةِ عَفْوِ النبيِّ
عفوُه عَنِ المرْأَةِ اليهُودِيَّةِ الَّتي وضَعتْ لَه السمَّ في الشَّاةِ,
فأكلَ مِنْهَا فَلَمْ يُسِغْها،
ثُمَّ قَتَلَهَا النبيُّ بعْدَ ذَلِكَ ببِشْرِ ابْنِ البَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ
الَّذِي أَكَلَ مِنْهَا فأسَاغَها، فَماتَ مِنْ أَثَرِ السُّمِّ، فقتِلَتْ ببشرِ قِصَاصًا.
وَمِنْ أَمثلة عَفْوِ النبيِّ
مَا رَواه جابرُ أَنَّه غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ قِبَلَ نجدٍ،
فلمَّا قَفَل( ) رَسُولُ اللهِ ،
قَفَل مَعَه، فأدْركَتْهم القَائِلةُ فِي وادٍ كَثِير العضَاهِ( )،
فَنَزلَ رَسُولُ اللهِ, وَتفرَّقُ النَّاسُ فِي العضَاهِ،
يَستظلُّونَ بالشجَرِ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ
تحتَ سَمُرةٍ( )، فعلَّق بِها سيفَهُ.
قَال جَابِرُ: فنِمْنَا نَوْمةً, فَإِذَا رَسُولُ اللهِ يدْعُونَا, فَجئْنَاهُ,
فَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابيٌّ جَالِسٌ,
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: "إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ سَيْفِي وَأَنَا نَائِمٌ،
فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا،
فَقَالَ لِي: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟
قُلْتُ: اللهُ، فَهَا هُوَ جَالِسٌ"
ثُمَّ لَم يعاقِبْه رَسُولُ اللهِ
البخارى
رفق النبي بمن قال له اعدل يا محمد
عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبض للناس في ثوب بلال يوم حنين يعطيهم
فقال إنسان من الناس اعدل يا محمد
فقال صلى الله عليه وسلم
ويلك إذا لم أعدل فمن يعدل لقد خبت وخسرت إن لم أعدل
قال فقال عمر رضوان الله علي دعني يا رسول الله أضرب عنقه فقال صلى الله عليه وسلم معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي إن هذا وأصحابا له يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم.
(صحيح ابن حبان ج11/ص148)
خلق العفو في حياة الصحابة الكرام
ووقع في يوم من الأيام بين أبي ذر-رضي الله عنه- وبلال -رضي الله عنه- خصومة، فيغضب أبو ذر وتفلت لسانه بكلمة يقول فيها لبلال: يا ابن السوداء فيتأثر بلال، يوم أكرمه الله بالإسلام، ثم يعير بالعصبيات والعنصريات والألوان، ويذهب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ويشكو أبا ذر، ويستدعي النبي صلى الله عليه وسلم- أبا ذر، فيقول -كما في الحديث المتفق علي صحته- يقول النبي صلى الله عليه وسلم-: " أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية"، فيتأثر أبو ذر ويتحسَّر ويندم، ويقول: وددت -والله- لو ضرب عنقي بالسيف، وما سمعت ذلك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويأخذ بلال -رضي الله عنه- كما روي ويضع خده على التراب ويقول: يا بلال؛ ضع قدمك على خدي، لا أرفعه حتى تضعه، فتذرف عينا بلال -رضي الله عنه- الدموع،
ويقول: يغفر الله لك يا أبا ذر،
يغفر الله لك يا أبا ذر،
والله ما كنت لأضع قدمي على جبهة
سجدت لله رب العالمين،
ويعتنقان ويبكيان ذهب ما في القلوب. الشحود
، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(ألا أخبركم بمن يحْرُم على النار؟ أو بمن تَحْرُم عليه النار؟ تَحْرُم النار على كل قريب هين لين سهل)
[الترمذي وأحمد].
للعبد رب هو ملاقيه وبيت هو ساكنه
فينبغي له أن يسترضي ربه قبل لقائه
ويعمر بيته قبل انتقاله اليه
مواضيع مماثلة
» ح 5 نشأة محمد ( ولتصنع على عيني ) :: لماذا محمد ؟
» رفق النبى (ص)
» ح 6 العالم قبل محمد :: لماذا محمد ؟
» الجلسة الاخيرة للحبيب النبى (ص)
» كلمات النبى سبيلنا الى النجاة من فتن الدنيا
» رفق النبى (ص)
» ح 6 العالم قبل محمد :: لماذا محمد ؟
» الجلسة الاخيرة للحبيب النبى (ص)
» كلمات النبى سبيلنا الى النجاة من فتن الدنيا
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى