للحج قصة وعبرة
صفحة 1 من اصل 1
للحج قصة وعبرة
الحمد لله رب العالمين،
[center]والعاقبة للمتقين،
ولا عدوان إلا على الظالمين،
ولا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين،
وقيُّوم السماوات والأراضين،
ومالك يوم الدين،
ونشهد ان لااله الا الله وحده لاشريك له
الموصوف بصفات الكمال والجمال والجلال
المنزة عن العيوب والنقائص والمثال
حى قيوم
حى لايموت
قيوم لاينام
ولاينبغى له ان ينام
يرفع اليه عمل الليل قبل عمل النهار
وعمل النهار قبل عمل الليل
حجابه النورلوكشفه لاحرقت سبحات وجه
مأنتهى اليه بصره من خلقه
سبحانه
له الخلق والامر
له النعمة والفضل
له الثناء والمجد
لم يخلق السموات والارض ومابينهما باطلا
ولم يخلق الانسان سدا عاطلا
بل خلق الخلق ليعبدوه
وبالالوهية يفردوه
واصبغ عليهم نعمه ليشكروه
ثم دعاهم الى طاعته ليطعوه
فمن اقبل اليه منهم ارضاه
ومن اعرض عنه منهم ناده
كما قال جلافى علاه
(قل ياعبادى الذين اسرفوا على انقسهم.............)
لك يأله العالمين دعاؤنا اياك نعبد والقلوب توحد
بك استجيرو فأنت عون من ارتجى
فنحن نحن العبيد وانت انت السيد
انا ارضتينا بالشريعة منهجا الله رب والرسول معلم
واشهد ان سيدنا محمد عبدة ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه
البشير النذير
السراج المزهر المنير
اعظم الانبياء مقاما
وخيرو الانبياءكلاما
لبنة تمامهم
ومسك ختامهم
رافع الاسرى والاغلال
الداعى الى خير الاقوال والافعال والاعمال
ارسله الله الى العبادى
ففتح الله به اعينا عميا
واذانا صما وقلوبا غلفا
انت الذي من نورك البدر اكتسي والشمس مشرقة بنور بهاكا
انت الذي لما رفعت الي السما بك قد سمت وتزينت لسراك
انت الذي ناداك ربك مرحبا ولقد دعاك لقربه وحباك
ماذا يقول المادحون وما عسي ان يجمع الكتاب في معناك
صلي عليك الله يا علم الهدي ما اشتاق مشتاق الي رؤياك
ياخير من دفنت بالقاع اعظمه فطاب من طيبهن القاع والاكم
نفسي الفداء لقبر انت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
قصة النبي إبراهيم وإسماعيل
للحج قصة سميتها قصة التسليم والاستسلام الكامل لله
1- اسلم نفسه لله
فأصبحت له النار حديقة غناء
وعلى كل حال، فقد ألقي إبراهيم في النار وسط زغاريد الناس وسرورهم وصراخهم،
وقد أطلقوا أصوات الفرح ظانين أن محطم الأصنام قد فني إلى الأبد وأصبح ترابا ورمادا.
لكن الله الذي بيده كل شيء
حتى النار لا تحرق إلا بإذنه،
شاء أن يبقى هذا العبد المؤمن المخلص
سالما من لهب تلك النار الموقدة
ليضيف وثيقة فخر جديدة إلى سجل إفتخاراته،
وكما يقول القرآن الكريم:
﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾.
والمعروف أن النار قد بردت بردا شديدا إصطكت أسنان إبراهيم منه،
وحسب قول بعض: إن الله سبحانه لو لم يقل: سلاما، لمات إبراهيم من شدة البرد.
وكذلك نقرأ في رواية مشهورة
أن نار النمرود قد تحولت إلى حديقة غناء.
حتى قال بعض إن تلك اللحظات التي كان فيها إبراهيم في النار،
كانت أهدأ وأفضل وأجمل أيام عمره.
لماذا اسلام الفتى الشجاع نفسه لله:
لأن قلبه كان مغمورا بعشق الله،
وكان إعتماده وتوكله على الذات المقدسة فحسب.
أجل.. هكذا هو الإيمان، أينما وجد وجدت الشهامة،
وكل من حل فيه فلا يمكن أن يقهر!
إبراهيم ونمرود:
عندما ألقوا إبراهيم في النار، كان النمرود على يقين من أن إبراهيم قد أصبح رمادا،
أما عندما دقق النظر ووجده حيا،
قال لمن حوله:
إني أرى إبراهيم حيا، لعلي يخيل إلي!
فصعد على مرتفع ورأى حاله جيدا فصاح نمرود:
يا إبراهيم إن ربك عظيم،
وقد أوجد بقدرته حائلا بنك وبين النار!
ولذلك فإني أريد أن أقدم قربانا له،
وأحضر أربعة آلاف قربان لذلك،
فأعاد إبراهيم القول بأن أي قربان – وأي عمل –
لا يتقبل منك إلا أن تؤمن أولا.
غير إن نمرود قال في الجواب:
فسيذهب سلطاني وملكي سدى إذن،
وليس بإمكاني أن أتحمل ذلك!
2- اسلام نفسه لله فنصره الله على الطاغوت وانظرو معى الى هذا المشهد المهيب
إبراهيم مع طاغوت زمانه:
القرآن لا يذكر اسم هذا الشخص الذي حاج إبراهيم، ويشير إليه بقوله:
﴿أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ﴾
على كل حال، إن ذلك الجبار تملكه الغرور والكبر وأسكره الملك،
سأل إبراهيم عن ربه: من هو الإله الذي تدعوني إليه؟
﴿إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾.
ولكن نمرود الجبار إتخذ طريق المجادلة والسفسطة وتزييف الحقائق
لإغفال الناس والملأ من حوله فقال: إن قانون الحياة والموت بيدي
﴿قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾.
ومن أجل إثبات هذه الدعوى الكاذبة استخدم حيلة حيث أمر بإحضار سجينين
أطلق سراح أحدهما وأمر بقتل الآخر، ثم قال لإبراهيم والحضار: أرأيتم كيف أحيي وأميت.
ولكن إبراهيم قدم دليلا آخر لإحباط هذه الحيلة وكشف زيف المدعي بحيث لا يمكنه بعد لك من إغفال الناس فقال:
﴿قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ﴾
وهنا ألقم هذا المعاند حجرا
﴿فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.
وبهذا اسقط في يدي العدو المغرور، وعجز عن الكلام أمام منطق إبراهيم الحي، وهذا أفضل طريق لإسكات كل عدو عنيد.
يستدل من القرآن بصورة واضحة أن جبار ذلك الزمان كان يدعي الأولهية،
لا ليعبدوه فحسب، بل ليؤمنوا به خالقا لهذا العالم أيضا،
أي إنه كان يرى نفسه معبودا وخالقا.
اسلام نفسه لله واستسلام لامر الله فأكرمه الله بالانجاب
نعم قد مرت أعوام طوال في لهفة وإنتظار للولد الصالح، وكان يقول:
﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾.
وأخيرا استجاب له ربه، فوهبه إسماعيل أولا،
ومن بعد إسحاق، وكان كل منهما نبيا عظيم الشخصية.
وقدامر الله ابراهيم ان يذهب بأهله الى مكة
فيأتي بهما من فلسطين بأمر الله إلى مكة
ويتركهما بين الصحاري والجبال واليابسة،
بدون مأوى ولا قطرة ماء، ويعود ثانية إلى فلسطين.
يقول المؤرخين:
حينما وضع إبراهيم زوجته هاجر وإبنه الرضيع إسماعيل في مكة وأراد الرجوع،
نادته: يا إبراهيم،
من أمرك أن تضعنا في أرض قاحلة لا نبات فيها ولا ماء ولا إنسان؟
فأجابها بجملة قصيرة:
ربي أمرني بذلك،
قالت: ما دام كذلك فإن الله لا يتركنا.
على اي حال، امتثل إبراهيم أمر ربه،
وذهب بهما إلى صحراء مكة وأسكنهما في تلك الأرض،
وهم بالرجوع، فضجت زوجته بالبكاء،
إذ كيف تستطيع أن تعيش امرأة وحيدة مع طفل رضيع في مثل هذه الأرض؟!
بكاء هاجر ومعه بكاء الطفل الرضيع هز إبراهيم من الأعماق،
لكنه لم يود الا أن ناجى ربه مستسلاما لربه قائلا:
﴿رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ
رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ
وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾،
ثم ودع زوجه وطفله بحزن وألم عميقين.
لم يمض وقت طويل حتى نفذ طعام الأم وماؤها، وجف لبنها.
بكاء الطفل أضرم في نفس الأم نارا،
ودفعها لأن تبحث بقلق واضطراب عن الماء.
اتجهت أولا إلى جبل "الصفاء" فلم تجد للماء أثرا،
لفت نظرها بريق ماء عند جبل "المروة" فأسرعت إليه فوجدته سرابا،
ثم رأت عند المروة بريقا لدى الصفاء أسرعت إليه فما وجدت شيئا،
وهكذا جالت سبع مرات بين الصفاء و المروة بحثا عن الماء.
وفي النهاية بعد ان استسلامة لامر الله وقدره
وبعد أن أشرف الطفل على الموت،
انفجرت عند رجله فجأة عين زمزم،
فشرب الطفل وأمه ونجيا من الموت المحقق.
4- واسلام ابراهيم واسماعيل نفسيهما لله فكافئهم الله
الاول بالذكر الى يوم القيمة
والثانى النجاة من الذبح والفداء الاعظم ون رب الارض والسماء
إسماعيل في المذبح:
إن عمر إسماعيل كان"13" عاما حينما رأى إبراهيم ذلك المنام العجيب المحير،
والذي يدل على بدء امتحان عسير آخر لهذا النبي ذي الشأن العظيم،
إذ رأى في المنام أن الله يأمره بذبح أبنه الوحيد وقطع رأسة.
فنهض من نومه مرعوبا، لأنه يعلم أن ما يراه الأنبياء في نومهم حقيقة وليس من وساوس الشياطين،
وقد تكررت رؤيته ليلتين اخريين، فكان هذا بمثابة تأكيد على ضرورة تنفيذ هذا الأمر فورا.
وقيل: أن أول رؤيا له كانت في ليلة التروية، أي ليلة الثامن من شهر ذي الحجة،
كما شاهد نفس الرؤيا في ليلة عرفة، وليلة عيد الأضحى،
وبهذا لم يبق عنده أدنى شك في أن هذا الأمر هو من الله سبحانه وتعالى.
امتحان شاق آخر يمر على إبراهيم الآن،
إبراهيم الذي نجح في كافة الامتحانات الصعبة السابقة وخرج منها مرفوع الرأس،
الامتحان الذي يفرض عليه وضع عواطف الأبوة جانبا
والامتثال لأوامر الله بذبح ابنه الذي كان ينتظره لفترة طويلة،
وهو الآن غلام يافع قوي.
وهذا ما يقصه الله علينا في كتابه:
وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ
رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ
فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ
قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى
قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ
فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ
وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ
وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)
[الصافات: 99-112].
يالله يالله يالله
أرأيتم قلبا ابويا يتقبل امرا يأباه
أرأيتم ابنا يتلقي امرا بالذبح ويرضاه
ويجيب الابن بلافزع إفعل ماتؤمر ابتاه
لن اعصي لله امرا من يعصي يوما مولاه
واستل الوالد سكينا واستسلم ابن لرضاه
القاه برفق لجبين كي لاتتلقي عيناه
وتهز الكون ضراعاة ودعاء يقبله الله
تتضرع للرب الاعلي ارض وسماء ومياه
ويجيب الحق ورحمته سبقت في فضل عطاياه
صدقت الرؤيا لاتحزن يا إبراهيم فديناه
ولكن قبل كل شيء، فكر إبراهيم (ع) في إعداد إبنه لهذا الأمر، حيث قال
﴿قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى﴾.
الولد الذي كان نسخة طبق الأصل من والده،
والذي تعلم خلال فترة عمره القصيرة الصبر والثبات والإيمان في مدرسة والده،
رحب بالأمر الإلهي بصدر واسع وطيبة نفس،
وبصراحة واضحة قال لوالده مستسلام لامر ربه:
﴿ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ﴾.
ولا تفكر في أمري فإنك
﴿سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾.
فما أعظم كلمات الأب والإبن وكم تخفف في بواطنها من الأمور الدقيقة والمعاني العميقة؟!
فمن جهة، الأب يصارح ولده البالغ من العمر "13" عاما بقضية الذبح،
ويطلب منه إعطاء رأيه فيها، حيث جعل هنا شخصية مستقلة حرة الإرادة.
وسوسة الشيطان:
فقد عمد الشيطان إلى تكريس كل طاقته لعمل شيء ما يحول دون خروج إبراهيم منتصرا من الإمتحان.
فأحيانا كان يذهب إلى زوجته "هاجر" ويقول لها:
أتعلمين بماذا يفكر إبراهيم؟ إنه يفكر بذبح ولد إسماعيل اليوم!
فكانت تجيبه هاجر: إذهب ولا تتحدث بأمر محال،
فإنه أرحم من أن يقتل ولده فهل يمكن العثور في هذه الدنيا على إنسان يذبح ولده بيده؟
الشيطان هنا يواصل وساوسه،
ويقول: إنه يزعم بأن الله أمره بذلك.
فتجيبه هاجر وهى مستسلمة لامر ربها:
إذا كان الله قد أمره بذلك فعليه أن يطيع أوامر الله،
وليس هناك طريق آخر سوى الرضا والتسليم لأمر الله.
وأحيانا كان يذهب صوب "الولد"
ليوسوس في قلبه
لكنه فشل أيضا إذ لم يحصل على أي نتيجة
لأن إسماعيل كان كله قطعة من الرضا والتسليم لذلك الأمر.
وأخيرا إتجه نحو الأب،
وقال له: يا إبراهيم إن المنام الذي رأيته هو منام شيطاني! لا تطع الشيطان!
فعرفه إبراهيم الذي كان يسطع بنور الإيمان والنبوة،
وصاح به: إبتعد من هنا يا عدو الله.
فورد في حديث آخر إن إبراهيم جاء في البداية
إلى "المشعر الحرام" ليذبح إبنه هناك،
ولكن الشيطان تبعه، فترك المحل وذهب إلى مكان آخر "الجمرة الأولى"
فتبعه الشيطان أيضا، فرماه إبراهيم بسبع قطع من الحجارة،
وعند وصوله إلى "الجمرة الثانية"
شاهد الشيطان أمامه أيضا فرماه بسبع قطع أخرى من الحجارة،
وحالما وصل إلى جمرة العقبة وشاهد الشيطان ثالثة رماه بسبع أخرى،
وبهذا جعل الشيطان ييأس منه إلى الأبد.
أبلغ سلامي إلى أمي:
ماذا يدور في هذا الوسط؟ القرآن الكريم لم يفصل مجريات الحدث، وركز فقط على النقاط الأساسية في هذه القصة العجيبة، كتب البعض: إن إسماعيل ساعد والده في تنفيذ هذا الأمر الإلهي، وعمل على تقليل ألم وحزن والدته، فعندما أخذه والده للذبح وسط الجبال الجرداء والحارقة في أرض "منى" قال إسماعيل لوالده:
يا أبت، أحكم من شد الحبل كي لا تتحرك يدي ورجلي أثناء تنفيذك الأمر الإلهي،
أخاف أن يقلل ذلك من مقدار الجزاء الذي سأناله.
والدي العزيز اشحذ السكين جيدا،
وامرره بسرعة على رقبتي كي يكون تحمل ألم الذبح سهلا بالنسبة لي ولك.
والدي قبل ذبحي اخلع ثوبي من على جسدي كي لا يتلوث بالدم،
لأني أخاف أن تراه والدتي وتفقد عنان صبرها.
ثم أضاف: أوصل سلامي إلى والدتي،
دموع الوداع:
قربت اللحظات الحساسة، فلأمر الإلهي يجب أن ينفذ،
فعندما رأى إبراهيم (ع) درجة إستسلام ولده للأمر الإلهي
إحتضتة وقبل وجهه،
وفي هذه اللحظة بكى الإثنان، البكاء الذي يبرز العواطف الإنسانية ومقدمة الشوق للقاء الله.
القرآن الكريم يوضح هذا الأمرفي جملة قصيرة ولكنها مليئة بالمعاني، فيقول تعالى:
﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾.
مرة آخرى تطرق القرآن هنا بإختصار،
كي يسمح للقاريء متابعة هذه القصة بإنشداد كبير.
على أية حال كب إبراهيم (ع) إبنه على جبينه،
ومرر السكين بسرعة وقوة على رقبة إبنه،
وروحه تعيش حال الهيجان،
وحب الله كان الشيء الوحيد الذي يدفعه إلى تنفيذ الأمر ومن دون أي تردد.
إلا أن السكين الحادة لم تترك أدنى أثر على رقبة إسماعيل اللطيفة.
وهنا غرق إبراهيم في حيرته،
ومرر السكين مرة آخرى على رقبة ولده،
ولكنها لم تؤثر بشيء كالمرة السابقة.
نعم، فإبراهيم الخليل
يقول للسكين: إذبحي،
ولكن الله الجليل
يعطي أوامره للسكين أن لا تذبحي،
والسكين لاتستجيب سوى لأوامر الباري عز وجل.
وهنا ينهي القرآن كل حالات الإنتظار
وبعبارة قصيرة مليءة بالمعاني العميقة
﴿وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ / قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾.
نعم فالذي يستسلم تماما وبكل وجوده للأمر الإلهي
ويصل إلى أقصى درجات الإحسان،
لايمكن مكافأته بأقل من هذا. ثم يضيف القرآن الكريم
﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ﴾.
مقابل هذا الأمر.
تكبير جبرئيل:
إن جبرئيل هتف "الله أكبر" " الله أكبر" أثناء عملية الذبح لتعجبه.
فيما هتف إسماعيل "لا إله إلا الله، والله أكبر".
ثم قال إبراهيم " الله أكبر ولله الحمد".
وهذه العبارات تشبه التكبيرات التي نرددها في يوم عيد الأضحى.
ذبح عظيم:
ولكي لا يبقى برنامج إبراهيم ناقصا، وتتحقق أمنية إبراهيم في تقديم القربان لله،
بعث الله كبشا كبيرا إلى إبراهيم ليذبحه بدلا عن إبنه إسماعيل،
ولتصير سنة للأجيال القادمة التي تشارك في مراسم الحج وتأتي إلى أرض "منى"
﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾.
إذ غدا إبراهيم (ع) "أسوة حسنة" لكل الأجيال، و"قدوة" لكل الطاهرين،
وأضحت أعماله سنة في الحج،وستبقى خالدة حتى تقوم القيامة،
إنه أبو الأنبياء الكبار،
وإنه أبو هذه الأمة الإسلامية ورسولها الأكرم محمد بن عبد الله (ص).
ولما إمتاز به إبراهيم (ع) من صفات حميدة، خصه الباري عز وجل بالسلام
﴿سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾.
نعم، إنا كذلك نجزي ونثيب المحسنين
﴿كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾
إبراهيم يبني الكعبة:
نفهم بوضوح من خلال آيات الذكر الحكيم أن بيت الكعبة كان موجودا قبل إبراهيم،
وكان قائما منذ زمن آدم. تتحدث سورة إبراهيم تقول:
﴿رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ﴾.
وهذه الآية تدل على أن بيت الكعبة كان له نوع من الوجود حين جاء إبراهيم مع زوجه وابنه الرضيع إلى مكة.
وفي سورة آل عمران:
﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا﴾
( [3]47). ومن المؤكد أن عبادة الله وإقامة أماكن العبادة لم تبدأ في زمن إبراهيم، بل كانتا منذ أن خلق الإنسان على ظهر هذه الأرض.
هكذا يقول القرآن الكريم:
﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.
اخيرا
الحج.. دروس وعبر
نعيش هذه الفترة أيامًا مباركةً، ممتلئةً بالرحمات والنفحات؛ إنها أيام فريضة الحج؛ حيث يتجه المسلمون من كل مكان على مختلف أجناسهم وألوانهم إلى بيت الله الحرام؛ لتأدية شعيرة من شعائر الإسلام، وهذه الشعيرة بها من الدروس والعبر ما يستحق التأمل والتدبُّر لأخذ العبرة والعظة؛ فهي ليست طقوسًا تؤدَّى بلا روح، إنما هي شعائر تُقام، حاضرة فيها الروح والقلب والجوارح، يُقيمها المسلم بكل جوارحه وروحه وقلبه.
فالإحرام
لباس أبيض لا جيوبَ فيه، يشبه الكفن،
وهذا اللباس به من الدلالات والعبر ما فيه؛ فهو أولاً
يدل على تجرُّد المؤمن من الدنيا ومن كل الأسباب التي تشده إلى ترابيَّته،
فيمضي حيًّا بكفن الأموات،
وهو ثانيًا يرفع شعار المساواة؛ فالكل يلبس هذا اللباس، الغني والفقير،
السيد والمسود، الرئيس والمرءوس، لا تستطيع أن تميز بينهم،
فالكل أصبح سواءً كأسنان المشط، وهذه تربية عملية للمسلمين، وخاصةً الأغنياء وأصحاب الرتب والمناصب،
تساوت الرؤوس كلها،
وخضعت لله الواحد القهار،
تحقَّق فيهم قول الرسول- صلى الله عليه وسلم-:
"كلكم لآدم وآدم من تراب"،
فلا يتكبَّر أحد على أحد، ولا يتعالى أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد،
وهذا درسٌ عظيمٌ نأخذه من لباس الإحرام،
فيعود الحاج متواضعًا خافضًا جناح الذل من الرحمة لإخوانه المؤمنين.
التلبية
يمضي الحجيج إلى بيت الله الحرام، ملبِّين نداء الرحمن، ومردِّدين:
"لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك، لا شريك لك"،
وفي هذه التلبية درسٌ عظيمٌ في إخلاص النية والوجهة لله عز وجل،
فلم يخرج الحاجُّ لشيء من متاع الدنيا، وإنما خرج قاصدًا رضا مولاه،
ملبيًا نداءه، وفي نفس الوقت يشكره على هذه النعمة،
ويردُّ الحمد والنعمة إليه وحده، فهو الذي أنعم عليه بنعمة المال الحلال والصحة والعافية،
فاستطاع الحج، وفي ختام التلبية "لا شريك لك".
. دلالة على إخلاص العمل لله وحده.
الطواف
وبالطواف حول الكعبة يتحقَّق الاتصال بالملأ الأعلى،
فتحاكي الروح ملائكة الله الحافِّين حول العرش،
فيا لها من روعة!! ويا له من جلال!! ملائكة تطوف حول العرش،
وعباد يطوفون حول البيت، والعرش فوق البيت،
فيتحقَّق الاتصال، وتسمو الروح فوق الماديَّات، وتحلِّق في السماء،
فتعلو وتعلو حتى تتحرَّر من جاذبية الشهوات الأرضية المادية،
فيشعر الحاج بسعادة لا مثيلَ لها، فتبكي العين فرحًا، ويخشع القلب إجلالاً لله رب العالمين.
السعي
وأما السعي فيدلُّ على شدة إلحاح المؤمن في استمطار رحمة الله،
فأثناء السعي يردد المؤمن الدعاء المأثور:
"رب اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم..
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار"،
فيشعر الحاجّ بالضراعة الشديدة بين يدي الله عز وجل،
ومدى حاجته إلى عفوِه ورحمتِه.
الوقوف بعرفة
أما الوقوف بعرفة، فبه من الدلالات والعِبَر ما به، فهو
أولاً مؤتمر سنوي جامع للمسلمين جميعًا؛
مؤتمر يجمع المسلمين من أجناس الأرض على اختلاف ألسنتهم وألوانهم،
اجتمعوا في هذا المكان لهدفٍ واحدٍ ولربٍّ واحد،
فهو موقف يدل على وحدةِ المسلمين جميعًا،
مهما تباعدت الديار، واختلفت الألسُن والألوان،
فالإسلام جمَّعَهم ووحَّدهم، فيا ليت المسلمين يخرجون من الحجِّ بهذا الدرس العظيم
"درس الوحدة"، ويتحقق الاتحاد الفعلي بين المسلمين؛
حتى يستطيعوا أن يواجهوا قوى الشر التي تكالبت علينا.
دلالة أخرى نأخذها من الوقوف بعرفة؛
أنه موقف يهزُّ النفس هزًّا؛
حيث يذكِّرها بيوم الحشر،
قال تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّوْرِ فَإِذَا هُمْ مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُوْنَ﴾
(يس: 51)،
ولهذا كان الموقف في عرفة لا يضارعه موقف، ولهذا اعتُبِرَ الوقوف بعرفة أهم ركن،
فمن حجَّ ولم يقف بعرفة فحجُّه باطل؛ حيث قال- صلى الله عليه وسلم-:
"الحج عرفة"، وقال: "إن من الذنوب ذنوبًا لا يكفِّرها إلا الوقوف بعرفة".
رمي الجمار
أما رميُ الجمار فهو تصميم من المؤمن
على محاربة الشيطان وحزبه،
وتأكيد العداوة التي بيننا وبين الشيطان كما قال تعالى:
﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾
(فاطر: من الآية 6)،
وعدم اتباع الهوى، والسير على منهج الله، وتوطيد العزم على المضيِّ في طريق الحق،
لا يضرُّه من خالفَه حتى يأتي أمرُ الله،
إنه العهد على إعلان العصيان الدائم
للشيطان الرجيم،
والطاعة التامة لله رب
العالمين[/center]ولا عدوان إلا على الظالمين،
ولا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين،
وقيُّوم السماوات والأراضين،
ومالك يوم الدين،
ونشهد ان لااله الا الله وحده لاشريك له
الموصوف بصفات الكمال والجمال والجلال
المنزة عن العيوب والنقائص والمثال
حى قيوم
حى لايموت
قيوم لاينام
ولاينبغى له ان ينام
يرفع اليه عمل الليل قبل عمل النهار
وعمل النهار قبل عمل الليل
حجابه النورلوكشفه لاحرقت سبحات وجه
مأنتهى اليه بصره من خلقه
سبحانه
له الخلق والامر
له النعمة والفضل
له الثناء والمجد
لم يخلق السموات والارض ومابينهما باطلا
ولم يخلق الانسان سدا عاطلا
بل خلق الخلق ليعبدوه
وبالالوهية يفردوه
واصبغ عليهم نعمه ليشكروه
ثم دعاهم الى طاعته ليطعوه
فمن اقبل اليه منهم ارضاه
ومن اعرض عنه منهم ناده
كما قال جلافى علاه
(قل ياعبادى الذين اسرفوا على انقسهم.............)
لك يأله العالمين دعاؤنا اياك نعبد والقلوب توحد
بك استجيرو فأنت عون من ارتجى
فنحن نحن العبيد وانت انت السيد
انا ارضتينا بالشريعة منهجا الله رب والرسول معلم
واشهد ان سيدنا محمد عبدة ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه
البشير النذير
السراج المزهر المنير
اعظم الانبياء مقاما
وخيرو الانبياءكلاما
لبنة تمامهم
ومسك ختامهم
رافع الاسرى والاغلال
الداعى الى خير الاقوال والافعال والاعمال
ارسله الله الى العبادى
ففتح الله به اعينا عميا
واذانا صما وقلوبا غلفا
انت الذي من نورك البدر اكتسي والشمس مشرقة بنور بهاكا
انت الذي لما رفعت الي السما بك قد سمت وتزينت لسراك
انت الذي ناداك ربك مرحبا ولقد دعاك لقربه وحباك
ماذا يقول المادحون وما عسي ان يجمع الكتاب في معناك
صلي عليك الله يا علم الهدي ما اشتاق مشتاق الي رؤياك
ياخير من دفنت بالقاع اعظمه فطاب من طيبهن القاع والاكم
نفسي الفداء لقبر انت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
قصة النبي إبراهيم وإسماعيل
للحج قصة سميتها قصة التسليم والاستسلام الكامل لله
1- اسلم نفسه لله
فأصبحت له النار حديقة غناء
وعلى كل حال، فقد ألقي إبراهيم في النار وسط زغاريد الناس وسرورهم وصراخهم،
وقد أطلقوا أصوات الفرح ظانين أن محطم الأصنام قد فني إلى الأبد وأصبح ترابا ورمادا.
لكن الله الذي بيده كل شيء
حتى النار لا تحرق إلا بإذنه،
شاء أن يبقى هذا العبد المؤمن المخلص
سالما من لهب تلك النار الموقدة
ليضيف وثيقة فخر جديدة إلى سجل إفتخاراته،
وكما يقول القرآن الكريم:
﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾.
والمعروف أن النار قد بردت بردا شديدا إصطكت أسنان إبراهيم منه،
وحسب قول بعض: إن الله سبحانه لو لم يقل: سلاما، لمات إبراهيم من شدة البرد.
وكذلك نقرأ في رواية مشهورة
أن نار النمرود قد تحولت إلى حديقة غناء.
حتى قال بعض إن تلك اللحظات التي كان فيها إبراهيم في النار،
كانت أهدأ وأفضل وأجمل أيام عمره.
لماذا اسلام الفتى الشجاع نفسه لله:
لأن قلبه كان مغمورا بعشق الله،
وكان إعتماده وتوكله على الذات المقدسة فحسب.
أجل.. هكذا هو الإيمان، أينما وجد وجدت الشهامة،
وكل من حل فيه فلا يمكن أن يقهر!
إبراهيم ونمرود:
عندما ألقوا إبراهيم في النار، كان النمرود على يقين من أن إبراهيم قد أصبح رمادا،
أما عندما دقق النظر ووجده حيا،
قال لمن حوله:
إني أرى إبراهيم حيا، لعلي يخيل إلي!
فصعد على مرتفع ورأى حاله جيدا فصاح نمرود:
يا إبراهيم إن ربك عظيم،
وقد أوجد بقدرته حائلا بنك وبين النار!
ولذلك فإني أريد أن أقدم قربانا له،
وأحضر أربعة آلاف قربان لذلك،
فأعاد إبراهيم القول بأن أي قربان – وأي عمل –
لا يتقبل منك إلا أن تؤمن أولا.
غير إن نمرود قال في الجواب:
فسيذهب سلطاني وملكي سدى إذن،
وليس بإمكاني أن أتحمل ذلك!
2- اسلام نفسه لله فنصره الله على الطاغوت وانظرو معى الى هذا المشهد المهيب
إبراهيم مع طاغوت زمانه:
القرآن لا يذكر اسم هذا الشخص الذي حاج إبراهيم، ويشير إليه بقوله:
﴿أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ﴾
على كل حال، إن ذلك الجبار تملكه الغرور والكبر وأسكره الملك،
سأل إبراهيم عن ربه: من هو الإله الذي تدعوني إليه؟
﴿إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾.
ولكن نمرود الجبار إتخذ طريق المجادلة والسفسطة وتزييف الحقائق
لإغفال الناس والملأ من حوله فقال: إن قانون الحياة والموت بيدي
﴿قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾.
ومن أجل إثبات هذه الدعوى الكاذبة استخدم حيلة حيث أمر بإحضار سجينين
أطلق سراح أحدهما وأمر بقتل الآخر، ثم قال لإبراهيم والحضار: أرأيتم كيف أحيي وأميت.
ولكن إبراهيم قدم دليلا آخر لإحباط هذه الحيلة وكشف زيف المدعي بحيث لا يمكنه بعد لك من إغفال الناس فقال:
﴿قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ﴾
وهنا ألقم هذا المعاند حجرا
﴿فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.
وبهذا اسقط في يدي العدو المغرور، وعجز عن الكلام أمام منطق إبراهيم الحي، وهذا أفضل طريق لإسكات كل عدو عنيد.
يستدل من القرآن بصورة واضحة أن جبار ذلك الزمان كان يدعي الأولهية،
لا ليعبدوه فحسب، بل ليؤمنوا به خالقا لهذا العالم أيضا،
أي إنه كان يرى نفسه معبودا وخالقا.
اسلام نفسه لله واستسلام لامر الله فأكرمه الله بالانجاب
نعم قد مرت أعوام طوال في لهفة وإنتظار للولد الصالح، وكان يقول:
﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾.
وأخيرا استجاب له ربه، فوهبه إسماعيل أولا،
ومن بعد إسحاق، وكان كل منهما نبيا عظيم الشخصية.
وقدامر الله ابراهيم ان يذهب بأهله الى مكة
فيأتي بهما من فلسطين بأمر الله إلى مكة
ويتركهما بين الصحاري والجبال واليابسة،
بدون مأوى ولا قطرة ماء، ويعود ثانية إلى فلسطين.
يقول المؤرخين:
حينما وضع إبراهيم زوجته هاجر وإبنه الرضيع إسماعيل في مكة وأراد الرجوع،
نادته: يا إبراهيم،
من أمرك أن تضعنا في أرض قاحلة لا نبات فيها ولا ماء ولا إنسان؟
فأجابها بجملة قصيرة:
ربي أمرني بذلك،
قالت: ما دام كذلك فإن الله لا يتركنا.
على اي حال، امتثل إبراهيم أمر ربه،
وذهب بهما إلى صحراء مكة وأسكنهما في تلك الأرض،
وهم بالرجوع، فضجت زوجته بالبكاء،
إذ كيف تستطيع أن تعيش امرأة وحيدة مع طفل رضيع في مثل هذه الأرض؟!
بكاء هاجر ومعه بكاء الطفل الرضيع هز إبراهيم من الأعماق،
لكنه لم يود الا أن ناجى ربه مستسلاما لربه قائلا:
﴿رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ
رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ
وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾،
ثم ودع زوجه وطفله بحزن وألم عميقين.
لم يمض وقت طويل حتى نفذ طعام الأم وماؤها، وجف لبنها.
بكاء الطفل أضرم في نفس الأم نارا،
ودفعها لأن تبحث بقلق واضطراب عن الماء.
اتجهت أولا إلى جبل "الصفاء" فلم تجد للماء أثرا،
لفت نظرها بريق ماء عند جبل "المروة" فأسرعت إليه فوجدته سرابا،
ثم رأت عند المروة بريقا لدى الصفاء أسرعت إليه فما وجدت شيئا،
وهكذا جالت سبع مرات بين الصفاء و المروة بحثا عن الماء.
وفي النهاية بعد ان استسلامة لامر الله وقدره
وبعد أن أشرف الطفل على الموت،
انفجرت عند رجله فجأة عين زمزم،
فشرب الطفل وأمه ونجيا من الموت المحقق.
4- واسلام ابراهيم واسماعيل نفسيهما لله فكافئهم الله
الاول بالذكر الى يوم القيمة
والثانى النجاة من الذبح والفداء الاعظم ون رب الارض والسماء
إسماعيل في المذبح:
إن عمر إسماعيل كان"13" عاما حينما رأى إبراهيم ذلك المنام العجيب المحير،
والذي يدل على بدء امتحان عسير آخر لهذا النبي ذي الشأن العظيم،
إذ رأى في المنام أن الله يأمره بذبح أبنه الوحيد وقطع رأسة.
فنهض من نومه مرعوبا، لأنه يعلم أن ما يراه الأنبياء في نومهم حقيقة وليس من وساوس الشياطين،
وقد تكررت رؤيته ليلتين اخريين، فكان هذا بمثابة تأكيد على ضرورة تنفيذ هذا الأمر فورا.
وقيل: أن أول رؤيا له كانت في ليلة التروية، أي ليلة الثامن من شهر ذي الحجة،
كما شاهد نفس الرؤيا في ليلة عرفة، وليلة عيد الأضحى،
وبهذا لم يبق عنده أدنى شك في أن هذا الأمر هو من الله سبحانه وتعالى.
امتحان شاق آخر يمر على إبراهيم الآن،
إبراهيم الذي نجح في كافة الامتحانات الصعبة السابقة وخرج منها مرفوع الرأس،
الامتحان الذي يفرض عليه وضع عواطف الأبوة جانبا
والامتثال لأوامر الله بذبح ابنه الذي كان ينتظره لفترة طويلة،
وهو الآن غلام يافع قوي.
وهذا ما يقصه الله علينا في كتابه:
وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ
رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ
فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ
قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى
قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ
فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ
وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ
وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)
[الصافات: 99-112].
يالله يالله يالله
أرأيتم قلبا ابويا يتقبل امرا يأباه
أرأيتم ابنا يتلقي امرا بالذبح ويرضاه
ويجيب الابن بلافزع إفعل ماتؤمر ابتاه
لن اعصي لله امرا من يعصي يوما مولاه
واستل الوالد سكينا واستسلم ابن لرضاه
القاه برفق لجبين كي لاتتلقي عيناه
وتهز الكون ضراعاة ودعاء يقبله الله
تتضرع للرب الاعلي ارض وسماء ومياه
ويجيب الحق ورحمته سبقت في فضل عطاياه
صدقت الرؤيا لاتحزن يا إبراهيم فديناه
ولكن قبل كل شيء، فكر إبراهيم (ع) في إعداد إبنه لهذا الأمر، حيث قال
﴿قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى﴾.
الولد الذي كان نسخة طبق الأصل من والده،
والذي تعلم خلال فترة عمره القصيرة الصبر والثبات والإيمان في مدرسة والده،
رحب بالأمر الإلهي بصدر واسع وطيبة نفس،
وبصراحة واضحة قال لوالده مستسلام لامر ربه:
﴿ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ﴾.
ولا تفكر في أمري فإنك
﴿سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾.
فما أعظم كلمات الأب والإبن وكم تخفف في بواطنها من الأمور الدقيقة والمعاني العميقة؟!
فمن جهة، الأب يصارح ولده البالغ من العمر "13" عاما بقضية الذبح،
ويطلب منه إعطاء رأيه فيها، حيث جعل هنا شخصية مستقلة حرة الإرادة.
وسوسة الشيطان:
فقد عمد الشيطان إلى تكريس كل طاقته لعمل شيء ما يحول دون خروج إبراهيم منتصرا من الإمتحان.
فأحيانا كان يذهب إلى زوجته "هاجر" ويقول لها:
أتعلمين بماذا يفكر إبراهيم؟ إنه يفكر بذبح ولد إسماعيل اليوم!
فكانت تجيبه هاجر: إذهب ولا تتحدث بأمر محال،
فإنه أرحم من أن يقتل ولده فهل يمكن العثور في هذه الدنيا على إنسان يذبح ولده بيده؟
الشيطان هنا يواصل وساوسه،
ويقول: إنه يزعم بأن الله أمره بذلك.
فتجيبه هاجر وهى مستسلمة لامر ربها:
إذا كان الله قد أمره بذلك فعليه أن يطيع أوامر الله،
وليس هناك طريق آخر سوى الرضا والتسليم لأمر الله.
وأحيانا كان يذهب صوب "الولد"
ليوسوس في قلبه
لكنه فشل أيضا إذ لم يحصل على أي نتيجة
لأن إسماعيل كان كله قطعة من الرضا والتسليم لذلك الأمر.
وأخيرا إتجه نحو الأب،
وقال له: يا إبراهيم إن المنام الذي رأيته هو منام شيطاني! لا تطع الشيطان!
فعرفه إبراهيم الذي كان يسطع بنور الإيمان والنبوة،
وصاح به: إبتعد من هنا يا عدو الله.
فورد في حديث آخر إن إبراهيم جاء في البداية
إلى "المشعر الحرام" ليذبح إبنه هناك،
ولكن الشيطان تبعه، فترك المحل وذهب إلى مكان آخر "الجمرة الأولى"
فتبعه الشيطان أيضا، فرماه إبراهيم بسبع قطع من الحجارة،
وعند وصوله إلى "الجمرة الثانية"
شاهد الشيطان أمامه أيضا فرماه بسبع قطع أخرى من الحجارة،
وحالما وصل إلى جمرة العقبة وشاهد الشيطان ثالثة رماه بسبع أخرى،
وبهذا جعل الشيطان ييأس منه إلى الأبد.
أبلغ سلامي إلى أمي:
ماذا يدور في هذا الوسط؟ القرآن الكريم لم يفصل مجريات الحدث، وركز فقط على النقاط الأساسية في هذه القصة العجيبة، كتب البعض: إن إسماعيل ساعد والده في تنفيذ هذا الأمر الإلهي، وعمل على تقليل ألم وحزن والدته، فعندما أخذه والده للذبح وسط الجبال الجرداء والحارقة في أرض "منى" قال إسماعيل لوالده:
يا أبت، أحكم من شد الحبل كي لا تتحرك يدي ورجلي أثناء تنفيذك الأمر الإلهي،
أخاف أن يقلل ذلك من مقدار الجزاء الذي سأناله.
والدي العزيز اشحذ السكين جيدا،
وامرره بسرعة على رقبتي كي يكون تحمل ألم الذبح سهلا بالنسبة لي ولك.
والدي قبل ذبحي اخلع ثوبي من على جسدي كي لا يتلوث بالدم،
لأني أخاف أن تراه والدتي وتفقد عنان صبرها.
ثم أضاف: أوصل سلامي إلى والدتي،
دموع الوداع:
قربت اللحظات الحساسة، فلأمر الإلهي يجب أن ينفذ،
فعندما رأى إبراهيم (ع) درجة إستسلام ولده للأمر الإلهي
إحتضتة وقبل وجهه،
وفي هذه اللحظة بكى الإثنان، البكاء الذي يبرز العواطف الإنسانية ومقدمة الشوق للقاء الله.
القرآن الكريم يوضح هذا الأمرفي جملة قصيرة ولكنها مليئة بالمعاني، فيقول تعالى:
﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾.
مرة آخرى تطرق القرآن هنا بإختصار،
كي يسمح للقاريء متابعة هذه القصة بإنشداد كبير.
على أية حال كب إبراهيم (ع) إبنه على جبينه،
ومرر السكين بسرعة وقوة على رقبة إبنه،
وروحه تعيش حال الهيجان،
وحب الله كان الشيء الوحيد الذي يدفعه إلى تنفيذ الأمر ومن دون أي تردد.
إلا أن السكين الحادة لم تترك أدنى أثر على رقبة إسماعيل اللطيفة.
وهنا غرق إبراهيم في حيرته،
ومرر السكين مرة آخرى على رقبة ولده،
ولكنها لم تؤثر بشيء كالمرة السابقة.
نعم، فإبراهيم الخليل
يقول للسكين: إذبحي،
ولكن الله الجليل
يعطي أوامره للسكين أن لا تذبحي،
والسكين لاتستجيب سوى لأوامر الباري عز وجل.
وهنا ينهي القرآن كل حالات الإنتظار
وبعبارة قصيرة مليءة بالمعاني العميقة
﴿وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ / قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾.
نعم فالذي يستسلم تماما وبكل وجوده للأمر الإلهي
ويصل إلى أقصى درجات الإحسان،
لايمكن مكافأته بأقل من هذا. ثم يضيف القرآن الكريم
﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ﴾.
مقابل هذا الأمر.
تكبير جبرئيل:
إن جبرئيل هتف "الله أكبر" " الله أكبر" أثناء عملية الذبح لتعجبه.
فيما هتف إسماعيل "لا إله إلا الله، والله أكبر".
ثم قال إبراهيم " الله أكبر ولله الحمد".
وهذه العبارات تشبه التكبيرات التي نرددها في يوم عيد الأضحى.
ذبح عظيم:
ولكي لا يبقى برنامج إبراهيم ناقصا، وتتحقق أمنية إبراهيم في تقديم القربان لله،
بعث الله كبشا كبيرا إلى إبراهيم ليذبحه بدلا عن إبنه إسماعيل،
ولتصير سنة للأجيال القادمة التي تشارك في مراسم الحج وتأتي إلى أرض "منى"
﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾.
إذ غدا إبراهيم (ع) "أسوة حسنة" لكل الأجيال، و"قدوة" لكل الطاهرين،
وأضحت أعماله سنة في الحج،وستبقى خالدة حتى تقوم القيامة،
إنه أبو الأنبياء الكبار،
وإنه أبو هذه الأمة الإسلامية ورسولها الأكرم محمد بن عبد الله (ص).
ولما إمتاز به إبراهيم (ع) من صفات حميدة، خصه الباري عز وجل بالسلام
﴿سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾.
نعم، إنا كذلك نجزي ونثيب المحسنين
﴿كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾
إبراهيم يبني الكعبة:
نفهم بوضوح من خلال آيات الذكر الحكيم أن بيت الكعبة كان موجودا قبل إبراهيم،
وكان قائما منذ زمن آدم. تتحدث سورة إبراهيم تقول:
﴿رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ﴾.
وهذه الآية تدل على أن بيت الكعبة كان له نوع من الوجود حين جاء إبراهيم مع زوجه وابنه الرضيع إلى مكة.
وفي سورة آل عمران:
﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا﴾
( [3]47). ومن المؤكد أن عبادة الله وإقامة أماكن العبادة لم تبدأ في زمن إبراهيم، بل كانتا منذ أن خلق الإنسان على ظهر هذه الأرض.
هكذا يقول القرآن الكريم:
﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.
اخيرا
الحج.. دروس وعبر
نعيش هذه الفترة أيامًا مباركةً، ممتلئةً بالرحمات والنفحات؛ إنها أيام فريضة الحج؛ حيث يتجه المسلمون من كل مكان على مختلف أجناسهم وألوانهم إلى بيت الله الحرام؛ لتأدية شعيرة من شعائر الإسلام، وهذه الشعيرة بها من الدروس والعبر ما يستحق التأمل والتدبُّر لأخذ العبرة والعظة؛ فهي ليست طقوسًا تؤدَّى بلا روح، إنما هي شعائر تُقام، حاضرة فيها الروح والقلب والجوارح، يُقيمها المسلم بكل جوارحه وروحه وقلبه.
فالإحرام
لباس أبيض لا جيوبَ فيه، يشبه الكفن،
وهذا اللباس به من الدلالات والعبر ما فيه؛ فهو أولاً
يدل على تجرُّد المؤمن من الدنيا ومن كل الأسباب التي تشده إلى ترابيَّته،
فيمضي حيًّا بكفن الأموات،
وهو ثانيًا يرفع شعار المساواة؛ فالكل يلبس هذا اللباس، الغني والفقير،
السيد والمسود، الرئيس والمرءوس، لا تستطيع أن تميز بينهم،
فالكل أصبح سواءً كأسنان المشط، وهذه تربية عملية للمسلمين، وخاصةً الأغنياء وأصحاب الرتب والمناصب،
تساوت الرؤوس كلها،
وخضعت لله الواحد القهار،
تحقَّق فيهم قول الرسول- صلى الله عليه وسلم-:
"كلكم لآدم وآدم من تراب"،
فلا يتكبَّر أحد على أحد، ولا يتعالى أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد،
وهذا درسٌ عظيمٌ نأخذه من لباس الإحرام،
فيعود الحاج متواضعًا خافضًا جناح الذل من الرحمة لإخوانه المؤمنين.
التلبية
يمضي الحجيج إلى بيت الله الحرام، ملبِّين نداء الرحمن، ومردِّدين:
"لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك، لا شريك لك"،
وفي هذه التلبية درسٌ عظيمٌ في إخلاص النية والوجهة لله عز وجل،
فلم يخرج الحاجُّ لشيء من متاع الدنيا، وإنما خرج قاصدًا رضا مولاه،
ملبيًا نداءه، وفي نفس الوقت يشكره على هذه النعمة،
ويردُّ الحمد والنعمة إليه وحده، فهو الذي أنعم عليه بنعمة المال الحلال والصحة والعافية،
فاستطاع الحج، وفي ختام التلبية "لا شريك لك".
. دلالة على إخلاص العمل لله وحده.
الطواف
وبالطواف حول الكعبة يتحقَّق الاتصال بالملأ الأعلى،
فتحاكي الروح ملائكة الله الحافِّين حول العرش،
فيا لها من روعة!! ويا له من جلال!! ملائكة تطوف حول العرش،
وعباد يطوفون حول البيت، والعرش فوق البيت،
فيتحقَّق الاتصال، وتسمو الروح فوق الماديَّات، وتحلِّق في السماء،
فتعلو وتعلو حتى تتحرَّر من جاذبية الشهوات الأرضية المادية،
فيشعر الحاج بسعادة لا مثيلَ لها، فتبكي العين فرحًا، ويخشع القلب إجلالاً لله رب العالمين.
السعي
وأما السعي فيدلُّ على شدة إلحاح المؤمن في استمطار رحمة الله،
فأثناء السعي يردد المؤمن الدعاء المأثور:
"رب اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم..
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار"،
فيشعر الحاجّ بالضراعة الشديدة بين يدي الله عز وجل،
ومدى حاجته إلى عفوِه ورحمتِه.
الوقوف بعرفة
أما الوقوف بعرفة، فبه من الدلالات والعِبَر ما به، فهو
أولاً مؤتمر سنوي جامع للمسلمين جميعًا؛
مؤتمر يجمع المسلمين من أجناس الأرض على اختلاف ألسنتهم وألوانهم،
اجتمعوا في هذا المكان لهدفٍ واحدٍ ولربٍّ واحد،
فهو موقف يدل على وحدةِ المسلمين جميعًا،
مهما تباعدت الديار، واختلفت الألسُن والألوان،
فالإسلام جمَّعَهم ووحَّدهم، فيا ليت المسلمين يخرجون من الحجِّ بهذا الدرس العظيم
"درس الوحدة"، ويتحقق الاتحاد الفعلي بين المسلمين؛
حتى يستطيعوا أن يواجهوا قوى الشر التي تكالبت علينا.
دلالة أخرى نأخذها من الوقوف بعرفة؛
أنه موقف يهزُّ النفس هزًّا؛
حيث يذكِّرها بيوم الحشر،
قال تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّوْرِ فَإِذَا هُمْ مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُوْنَ﴾
(يس: 51)،
ولهذا كان الموقف في عرفة لا يضارعه موقف، ولهذا اعتُبِرَ الوقوف بعرفة أهم ركن،
فمن حجَّ ولم يقف بعرفة فحجُّه باطل؛ حيث قال- صلى الله عليه وسلم-:
"الحج عرفة"، وقال: "إن من الذنوب ذنوبًا لا يكفِّرها إلا الوقوف بعرفة".
رمي الجمار
أما رميُ الجمار فهو تصميم من المؤمن
على محاربة الشيطان وحزبه،
وتأكيد العداوة التي بيننا وبين الشيطان كما قال تعالى:
﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾
(فاطر: من الآية 6)،
وعدم اتباع الهوى، والسير على منهج الله، وتوطيد العزم على المضيِّ في طريق الحق،
لا يضرُّه من خالفَه حتى يأتي أمرُ الله،
إنه العهد على إعلان العصيان الدائم
للشيطان الرجيم،
والطاعة التامة لله رب
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى